عبء الضرائب يتغير: بين تشدد داخلي وتنسيق عالمي
مع تصاعد أعباء الدين العام، تتجه العديد من الدول نحو سياسات ضريبية أكثر تشددًا. يشير تقرير صندوق النقد إلى أن السياسات المالية في الاقتصادات المتقدمة ستشهد تشددًا في 2025–2026، ما يستدعي من الشركات إعادة النظر في هيكلها الضريبي واستراتيجيات توزيع الأرباح. لم يعد الامتثال الضريبي كافيًا؛ بل أصبح التخطيط الضريبي الاستراتيجي ضرورة لتقليل المخاطر وتعظيم الكفاءة.
نمو بطيء، وغير موزع بالتساوي!
من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.3% في 2025 و2026، وهو أقل من المتوسط التاريخي البالغ 3.7%. يترتب على ذلك أن الطلب العالمي سيكون أكثر تشتتًا، مما يتطلب من الشركات تنويع أسواقها وخفض اعتمادها على مناطق بعينها. التنقل الذكي بين الأسواق، والمرونة في سلاسل التوريد، لم تعد خيارات استراتيجية، بل ضرورة للبقاء.
على سبيل المثال، شهدت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة موجة واسعة من الشركات العالمية الكبرى التي نقلت مقراتها الإقليمية أو أنشأت مصانع إنتاج داخل المملكة. فعلى سبيل المثال، أسست شركة "لوسيد موتورز" الأمريكية مصنعها الأول خارج الولايات المتحدة في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، والذي بدأ العمل في سبتمبر 2023 بقدرة إنتاجية أولية تبلغ 5,000 سيارة سنوياً، لتصل مستقبلاً إلى 155,000 سيارة.
التكيف المالي مع المتغيرات الاقتصادية: دور المدير المالي الحديث
في ظل هذا الكم من المتغيرات، لم تعد النماذج المالية الجامدة صالحة. على المدير المالي اعتماد أدوات تخطيط مرنة تعتمد على السيناريوهات، وتسمح بمحاكاة تأثيرات مختلفة للتضخم وأسعار الفائدة والضرائب.
يجب ألا تكون النماذج مقتصرة على أداء سنوي؛ بل تمتد إلى تحليل شهري وديناميكي، مدعوم بتقنيات ذكاء اصطناعي أو أدوات تحليل مالي حديثة. كل سيناريو يجب أن يتضمن افتراضات صريحة بشأن:
1- معدل النمو الحقيقي
2- سلوك المستهلك حسب الفئة الديموغرافية
3- تقلبات السوق العالمية
4- استجابات السياسة النقدية والمالية
ومع تصاعد الضغوط الاقتصادية من كل الجوانب، لم يعد المطلوب مجرّد تحديث النماذج، بل إعادة التفكير بدور المدير المالي ذاته، هل يكتفي بالمحاكاة، أم يقود التحول؟
ما الذي يجب أن يفعله المدير المالي الآن؟
التقلبات الاقتصادية التي نشهدها ليست مجرد اختبار للمرونة التشغيلية، بل لاختيارات القيادة المالية والتنفيذية كذلك. فالتعامل مع التضخم والضرائب والنمو في آن واحد يتطلب عقلية استراتيجية متقدمة تتجاوز التكيّف وتذهب نحو إعادة تصميم النماذج المالية بشكل استباقي، لهذا، يجدر بالمدير المالي أن يولي اهتمامًا خاصًا لأربعة مسارات أساسية:
- مراجعة النماذج المالية لدمج سيناريوهات متعددة للتضخم والفائدة والضرائب.
- تقوية المرونة التشغيلية وتقليل الاعتماد على سلاسل توريد غير مستقرة.
- تعزيز كفاءة رأس المال العامل وتخطيط التدفقات النقدية بدقة.
- تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي للقرارات المالية، لا سيما في الأسواق المحلية.
من ينتظر إشارات الاستقرار قد يتأخر عن مواكبة الواقع، بينما من يبادر بإعادة ضبط أولوياته المالية والتشغيلية، يُصبح أكثر قدرة على حماية مؤسسته من الاضطرابات المقبلة، بل وربما الاستفادة منها. الفرص لن تختفي، لكنها ستنحاز لمن يرى الأفق بوضوح، ويتحرك قبل أن تفرض عليه الظروف مسارات محدودة.
المرحلة القادمة هي اختبار حقيقي للقائد المالي.. ليس كمراقب للتكاليف، بل كمهندس للنمو المستدام وسط تقلبات السوق.