الرئيسيةعن الشركةالقطاعات
الخدمات
الاستشارات الماليةالاندماج و الإستحواذالحوكمة وإدارة المخاطراستراتيجيات الأعمال والنموالتسويق و المبيعاتالبحث والتحليلإدارة التميز التشغيليالتحول الرقمي
المقالات والتقارير

مع بداية عام 2025، يجد العالم نفسه في مواجهة ثلاثية معقدة: ضغوط التضخم المستمرة، وسياسات ضريبية متغيرة، وتحديات النمو الاقتصادي. فبينما تواصل أسعار الطاقة والغذاء ارتفاعها، تتسابق البنوك المركزية حول العالم لرفع أسعار الفائدة في محاولة للسيطرة على التضخم، ما يؤدي بدوره إلى زيادة تكلفة المعيشة وتقليص القوة الشرائية للأسر، خاصة في الطبقات المتوسطة والفقيرة. وفي الوقت نفسه، تلعب الضرائب دورًا محوريًا في رسم ملامح مسار النمو لأي اقتصاد. فهي الأداة الرئيسية التي تعتمد عليها الحكومات لتمويل إنفاقها العام، لكنها في المقابل قد تشكل عبئًا إذا لم تدار ضمن سياسات متوازنة تراعي احتياجات التنمية وتحافظ على ديناميكية السوق.

 

التحديات الاقتصادية العالمية في 2025: تضخم مرتفع و سياسات ضريبية متغيرة

وفي ظل هذه المعادلة الدقيقة، قدّم تحديث تقرير آفاق الاقتصاد العالمي (WEO Update) الصادر عن صندوق النقد الدولي في يناير 2025 صورة جديدة لمسار الاقتصاد العالمي، مركّزًا على مفاهيم مثل «نمو عالمي متباين وعدم يقين مستمر». أشار التقرير إلى أن وتيرة النمو ما تزال أقل من المتوسطات التاريخية (2000–2019)، مع تفاوت واضح بين الاقتصادات المتقدمة من جهة، والأسواق الناشئة والبلدان النامية من جهة أخرى.
 

بحسب التقرير، يُتوقّع أن يسجل النمو العالمي 3.3% في عامي 2025 و2026، وهو معدل أدنى من المتوسط التاريخي البالغ 3.7%. اللافت أن زخم الاقتصاد الأمريكي قد رفع التوقعات نسبيًا للولايات المتحدة، في حين وازنتها تعديلات سلبية في اقتصادات أخرى.

 

التضخم العالمي: تراجع تدريجي واختلاف في سرعة التعافي

أما التضخم، فيُتوقع أن يواصل مساره التراجعي تدريجيًا، ليبلغ 4.2% عالميًا في 2025 ثم 3.5% في 2026. إلا أن سرعة العودة إلى معدلات التضخم المستهدفة تختلف بين الدول؛ فمن المرجح أن تصل الاقتصادات المتقدمة إلى أهدافها النقدية بوتيرة أسرع مقارنة بالأسواق الناشئة والنامية.


وبين مطرقة التضخم وسندان الضرائب، يبقى الاقتصاد العالمي أمام مفترق طرق: هل تنجح هذه السياسات في تحقيق الاستقرار، أم تدفع الأسواق نحو مزيد من التباطؤ وعدم اليقين؟ الإجابة ستتحدد خلال الأشهر القادمة، مع استمرار الترقب لقرارات البنوك المركزية وتوجهات الحكومات في ظل بيئة اقتصادية عالمية متقلبة.

 

التقارير الأخيرة من صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي تُظهر بوضوح أن التضخم قد لا يعود إلى المستويات المستهدفة قريبًا، في ظل استمرار التوترات الجيوسياسية والقيود التجارية. ومع اتساع الفجوة بين الفئات الاجتماعية بسبب "ضريبة التضخم"، تصبح قراراتك المالية أكثر من مجرد أرقام.. بل ركائز استراتيجية تتعلق بالقدرة على الصمود.


أثر استمرار التضخم على الاقتصاد والمجتمع

تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن التضخم في الاقتصادات المتقدمة سيبقى أعلى من 2% خلال 2025، مع توقعات بـ4.2% كمتوسط عالمي. رغم تراجع أسعار بعض السلع، إلا أن أسعار الخدمات ما تزال مرتفعة مقارنة بما قبل الجائحة.
 

النتيجة؟ هوامش الأرباح تصبح أكثر هشاشة، خصوصًا مع تزايد ضغط الأجور. أصبح المدير المالي اليوم مطالب ليس فقط بإدارة التكلفة، بل بتوقّع تقلبات التضخم وتضمينها في نماذج التسعير والتدفقات النقدية.

 


ضريبة التضخم: أثرها على الاستقرار الاجتماعي والطلب المحلي

أظهرت البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء في السعودية أن معدل التضخم السنوي استقر عند 2.3% خلال شهر أبريل 2025، محافظًا على نفس المستوى المسجّل في مارس من العام نفسه. ويعود هذا الاستقرار بشكل رئيسي إلى ارتفاع أسعار السكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود بنسبة 6.8%، إلى جانب ارتفاع أسعار الأغذية والمشروبات بنسبة 2.2%، وأسعار السلع والخدمات الشخصية المتنوعة بنسبة 3.5%. في المقابل، سجلت أسعار النقل انخفاضًا بنسبة 1%، ما ساهم في الحد من وتيرة التضخم الكلية. ويُعد معدل التضخم في المملكة من بين أدنى المعدلات المسجلة ضمن دول مجموعة العشرين، ويعكس نجاح السياسات الاقتصادية في احتواء الضغوط التضخمية رغم التحديات العالمية.

أما على مستوى دول الخليج، فقد أظهر تقرير المركز الإحصائي الخليجي تراجع معدل التضخم إلى 1.7% خلال عام 2024، مقارنة بـ2.2% في عام 2023. وتصدرت مجموعة السكن قائمة الارتفاعات بنسبة 5.7%، تلتها مجموعتا المطاعم والفنادق والثقافة والترفيه بنسبة 1.8% لكل منهما، ثم التعليم بنسبة 1.7%، والأغذية والمشروبات بنسبة 1.5%. في المقابل، سجلت مجموعة النقل أكبر تراجع بنسبة 2%، ما يعكس تقلبات معتدلة في الأسعار ونجاح السياسات الاقتصادية الخليجية في احتواء الضغوط التضخمية.
 

"التضخم يشبه السارق العنيف، والمجرم المسلح، والقاتل المأجور."

— رونالد ريغان


هذا التفاوت في توزيع أعباء التضخم لا يقتصر أثره على الحكومات، بل يمتد ليشمل الأفراد والشركات على حد سواء. فالتضخم يصيب بقوة أصحاب الدخول الثابتة ومن يعتمدون على المعونات الحكومية،فتتراجع القوة الشرائية لديهم ويتدهور مستوى معيشتم. كما يتأثر الأشخاص الذين يعتمدون على المعونات الحكومية، لأن تعديلات هذه المعونات تأتي ببطء. في المقابل، قد يستفيد الموظفون وأصحاب الدخول المتغيرة، خاصة أولئك الذين ترتبط رواتبهم بالتضخم أو يتفاوضون على زيادات دورية. التضخم أيضًا يضر بالمدخرين، إذ تقل قيمة الودائع ومدخرات التأمين والمعاشات، ويؤدي إلى إعادة توزيع الدخل من الدائن إلى المدين.
 

عبء الضرائب يتغير: بين تشدد داخلي وتنسيق عالمي

مع تصاعد أعباء الدين العام، تتجه العديد من الدول نحو سياسات ضريبية أكثر تشددًا. يشير تقرير صندوق النقد إلى أن السياسات المالية في الاقتصادات المتقدمة ستشهد تشددًا في 2025–2026، ما يستدعي من الشركات إعادة النظر في هيكلها الضريبي واستراتيجيات توزيع الأرباح. لم يعد الامتثال الضريبي كافيًا؛ بل أصبح التخطيط الضريبي الاستراتيجي ضرورة لتقليل المخاطر وتعظيم الكفاءة.

 

نمو بطيء، وغير موزع بالتساوي!

من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.3% في 2025 و2026، وهو أقل من المتوسط التاريخي البالغ 3.7%. يترتب على ذلك أن الطلب العالمي سيكون أكثر تشتتًا، مما يتطلب من الشركات تنويع أسواقها وخفض اعتمادها على مناطق بعينها. التنقل الذكي بين الأسواق، والمرونة في سلاسل التوريد، لم تعد خيارات استراتيجية، بل ضرورة للبقاء.

على سبيل المثال، شهدت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة موجة واسعة من الشركات العالمية الكبرى التي نقلت مقراتها الإقليمية أو أنشأت مصانع إنتاج داخل المملكة. فعلى سبيل المثال، أسست شركة "لوسيد موتورز" الأمريكية مصنعها الأول خارج الولايات المتحدة في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، والذي بدأ العمل في سبتمبر 2023 بقدرة إنتاجية أولية تبلغ 5,000 سيارة سنوياً، لتصل مستقبلاً إلى 155,000 سيارة.
 

التكيف المالي مع المتغيرات الاقتصادية: دور المدير المالي الحديث

في ظل هذا الكم من المتغيرات، لم تعد النماذج المالية الجامدة صالحة. على المدير المالي اعتماد أدوات تخطيط مرنة تعتمد على السيناريوهات، وتسمح بمحاكاة تأثيرات مختلفة للتضخم وأسعار الفائدة والضرائب.

يجب ألا تكون النماذج مقتصرة على أداء سنوي؛ بل تمتد إلى تحليل شهري وديناميكي، مدعوم بتقنيات ذكاء اصطناعي أو أدوات تحليل مالي حديثة. كل سيناريو يجب أن يتضمن افتراضات صريحة بشأن:

1- معدل النمو الحقيقي

2- سلوك المستهلك حسب الفئة الديموغرافية

3- تقلبات السوق العالمية

4- استجابات السياسة النقدية والمالية

ومع تصاعد الضغوط الاقتصادية من كل الجوانب، لم يعد المطلوب مجرّد تحديث النماذج، بل إعادة التفكير بدور المدير المالي ذاته، هل يكتفي بالمحاكاة، أم يقود التحول؟
 

ما الذي يجب أن يفعله المدير المالي الآن؟

التقلبات الاقتصادية التي نشهدها ليست مجرد اختبار للمرونة التشغيلية، بل لاختيارات القيادة المالية والتنفيذية كذلك. فالتعامل مع التضخم والضرائب والنمو في آن واحد يتطلب عقلية استراتيجية متقدمة تتجاوز التكيّف وتذهب نحو إعادة تصميم النماذج المالية بشكل استباقي، لهذا، يجدر بالمدير المالي أن يولي اهتمامًا خاصًا لأربعة مسارات أساسية:

  • مراجعة النماذج المالية لدمج سيناريوهات متعددة للتضخم والفائدة والضرائب.
  • تقوية المرونة التشغيلية وتقليل الاعتماد على سلاسل توريد غير مستقرة.
  • تعزيز كفاءة رأس المال العامل وتخطيط التدفقات النقدية بدقة.
  • تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي للقرارات المالية، لا سيما في الأسواق المحلية.
     

من ينتظر إشارات الاستقرار قد يتأخر عن مواكبة الواقع، بينما من يبادر بإعادة ضبط أولوياته المالية والتشغيلية، يُصبح أكثر قدرة على حماية مؤسسته من الاضطرابات المقبلة، بل وربما الاستفادة منها. الفرص لن تختفي، لكنها ستنحاز لمن يرى الأفق بوضوح، ويتحرك قبل أن تفرض عليه الظروف مسارات محدودة.
 

المرحلة القادمة هي اختبار حقيقي للقائد المالي.. ليس كمراقب للتكاليف، بل كمهندس للنمو المستدام وسط تقلبات السوق.